الجمعة، 21 أبريل 2017

تفسير القرآن بالسنة 
هو المصدر الثاني من مصادر التفسير بالمأثور ، وهو مصدر متفق عليه ، وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة ، كما دل على ذلك النظر الصحيح .
فأما الكتاب فقد قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) (النحل 444) .
وهذا نص صريح في بيان الرسول للقرآن .
وأما السنة ، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه )) .
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن صحح هذا الحديث : وهذا هو السنة بلا شك [1]أي قوله : (ومثله معه) وكذا قال غيره [2].
وأما النظر الصحيح فإن العادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً ولا يستشرحوه ، فكيف بكلام الله تعالى الذي فيه عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم ، وقيام دينهم ودنياهم .
ولذا كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليهم
وقد قسّم الطبري رحمه الله التأويل إلى ثلاثة أقسام ، فجعل الأول ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، كالأوامر الإلهية ، والحقوق والحدود ، وما إلى ذلك مما مرجع تفسيره وتبيينه الرسول صلى الله عليه وسلم، إما بنص منه، أو بدلالة قد نصبها دالة على تأويله [3].
وقال السيوطي : ( قال العلماء : من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولاً من القرآن … فإن أعياه ذلك طلبه من السنة ، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له .
وقد قال الشافعي رحمه الله : كل ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن .
قال تعالى : ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ))(النساء:105) في آيات أخر .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه )) يعني السنة[4].
وقد أشكل قول الشافعي السابق ، لكن يوضحه قول أبي الحكم ابن برجان في كتابه المسمى بالإرشاد حيث قال : ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من شيء فهو في القرآن ، وفيه أصله ، قرُب أو بُعد ، فَهِمَه من فَهِمَه ، وعَمَهَ عنه من عَمَهَ .
قال الله تعالى : ((مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)) (الأنعام:38).
ألا تسمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرجم : (( لأ قضين بينكما بكتاب الله وليس في نص كتاب الله الرجم )) [5].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :السنة تفسر القرآن وتدل عليه وتعبر عنه [6].
وعن حسان بن عطية قال : ((كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك ))[7] .
ومصداق ذلك في قوله تعالى : ((فَإِذَا قرأتاه فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ))(القيامة:19,188).
أهمية تفسير القرآن بالسنة :
وأما عن أهمية تفسير القرآن بالسنة ، فقد روى سعيد بن منصور عن مكحول قال : ((القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن)) [8] .
وقال يحي بن أبي كثير : السنة قاضية على الكتاب ، وليس الكتاب بقاض على السنة .
وقد بين ذلك السيوطي بقوله : والأصل أن معنى احتياج القرآن إلى السنة أنها مبينة له ، ومفصلة لمجملاته ، لأن لو جازته كنوزاً تحتاج إلى من يعرف خفايا خباياها
 فيبرزها ، وذلك هو المنزل عليه صلى الله عليه وسلم ، وهو معنى كون السنة قاضية على الكتاب ، وليس القرآن مبيناً للسنة ، ولا قاضياً عليها ، لأنها بينة بنفسها ، إذ لم تصل إلى حدّ القرآن في الإعجاز والإيجاز ، لأنها شرح له ، وشأن الشرح أن يكون أوضح وأبين وأبسط من المشروح [9] .
أما الإمام أحمد رحمه الله فقد سئل عن هذا القول - أن السنة قاضية على القرآن - فتورع عن إطلاقه ، وقال : ما أجسر على هذا أن أقوله ، ولكني أقول : إن السنة تفسّر الكتاب وتبينه [10].
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله : لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة ، لأنه إذا كان كلياً ، وفيه أمور كلية ، فلا محيص من النظر في بيانه .
قال تعالى : ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) (النحل:44).
ويلاحظ في هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل لما بين مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في تبيين القرآن للناس ؛ ختم الآية بقوله : ((وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) .
وفي هذا دليل على أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينافي تدبر الآيات، والتفكر فيها، والغوص في معانيها لاستنباط وجوه جديدة من البيان ، وهذا يقودنا إلى مسألة أخرى وهي :
منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التفسير : 
يقول الشيخ فهد الرومي في بيان منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التفسير - وذلك حسب الاستقراء - : (( لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يطنب في تفسير الآية أو يخرج إلى ما لا فائدة في معرفته ولا ثمرة في إدراكه ، فكان جل تفسيره بياناً لمجمل ، أو توضيحاً لمشكل ، أو تخصيصاً لعام ، أو تقييداً لمطلق ، أو بياناً لمعنى لفظ أو متعلقه)) [11]
وقد أوجز ذلك القرطبي رحمه الله في تفسيره ، فقال : " البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين : بيان لمجمل في الكتاب كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها … وبيان آخر وهو زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها .
ويفهم من هذا أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على بيان المعاني الضرورية التي لا تحتمل التأخير ، أو التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريقه ، وترك ما سوى ذلك للأمة ليعملوا عقولهم في التدبر والتفكر ، ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله ؟ قال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن …" الحديث .
قال الزمخشري في الفائق : ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ، ويستثيرون دفائنه ، ويغوصون على لطائفه ، وهو الحمّال ذو الوجوه ، فيعود ذلك تسجيلاً له ببعد الغور ، واستحكام دليل الإعجاز [12].
ومما سبق يمكن أن نوجز أوجه بيان السنة للقرآن فيما يلي :
1- إزالة اللبس :
مثال ذلك ما أخرجه الشيخان ، عن ابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((من حوسب عُذّب)) .
قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت : أوليس يقول الله تعالى : ((فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً)) (الانشقاق:8) ؟ قال : ((إنما ذلك العرض ، ولكن : من نوقش الحساب يهلك))[13]
ومن الأمثلة على ذلك ما أخرجه الشيخان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : لما
نزلت : ((حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ)) (البقرة:187) .
عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي ، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : ((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار )) [14].
2- تخصيص العام :
ومثاله ما أخرجه البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : لما نزلت : ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ )) (الانعام:822)شق ذلك على المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله ، أينا لا يظلم نفسه ؟  قال : (( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم))[15] .
3- تقييد المطلق :
ومثاله قوله تعالى : ((مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)) ( النساء:11).
وقد جاء تقييد ذلك بالثلث كما ، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الثلث ، والثلث كبير ، أو كثير [16] .
قال ابن حجر رحمه الله : " فيه تقييد مطلق القرآن بالسنة [17].
ومن الأمثلة أيضاً قوله تعالى : ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)) (المائدة:38) فقد جاءت السنة بتقييد ذلك باليد اليمنى من المفصل  .
4- تفصيل المجمل :
ومثال ذلك قوله تعالى : ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)) (البقرة:43) وقد جاءت السنة القولية والفعلية  بتفصيل ذلك كما هو مبسوط في كتب الفقه 
5- بيان أن المنطوق لا مفهوم له :
ومثاله قوله تعالى : ((وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ)) (البقرة 283) .
فقوله : ((وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ)) . لا مفهوم له كما بينت ذلك السنة ، فقد ثبت في  الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقاً من شعير رهنها قوتاً لأهله ، وكان ذلك في الحضر[18] فدلّ ذلك على أن منطوق الآية لا مفهوم له .
6- توضيح المبهم كأسماء الأشخاص والأماكن : ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى :((فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ)) (الأحزاب:23).
فقد أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن طلحة رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ((أنت يا طلحة ممن قضى نحبه )) [19]
ومن الأمثلة أيضاً : قوله تعالى : ((حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى))(البقرة:2388).
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنها صلاة العصر [20].
 اعداد:هبه محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق